فصل: الحكم السابع: حكم المريض والمسافر إذا وجد الماء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الحكم الخامس: ما هي الجنابة وماذا يحرم بها؟

الجنابة معنى شرعي يستلزم اجتناب الصلاة، وقراءة القرآن، ومسّ المصحف، ودخول المسجد إلى أن يغتسل الجنب لقوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فاطهروا}، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم لحصول الجنابة سببين:
الأول: نزول المني للحديث الشريف «الماء من الماء» أي يجب الاغتسال بالماء من أجل الماء أي المني.
والثاني: التقاء الختانين لقوله عليه السلام: «إذا التقى الختانان وجب الغسل».
وكما يجب الغسل للجنابة يجب عند انقطاع الحيض والنفاس لقوله تعالى في الحيض: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] ولحديث فاطمة بنت أبي حبيش أنه عليه الصلاة والسلام قال لها: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصليّ» والإجماع على أن النفاس كالحيض.

.الحكم السادس: حكم المضمضة والاستنشاق في الغسل:

اختلف الفقهاء في «المضمضة» و«الاستنشاق» في الغسل، فقال المالكية والشافعية لا يجبان فيه، وقال الحنفية والحنابلة يجبان.
حجة المالكية والشافعية ما روي أن قومًا كانوا يتحدثون في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الغسل، وكلٌ يبيّن ما يعمل فقال عليه السلام «أمّا أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات فإذا أنا قد طهرت».
وحجة الحنفية والحنابلة أن الأمر بالتطهر يعم جميع أجزاء البدن الظاهرة والباطنة، التي ميكن غسلها وهي «الفم» و«الأنف» فكانت المضمضة والاستنشاق من الواجبات لقوله تعالى: {فاطهروا}.
وأجابوا عما تمسك به «المالكية والشافعية» بأن الغرض من الحديث بيان أنه لا يجب الوضوء بعد الغسل كما فهم ذلك كثير من الصحابة، فبيّن عليه السلام أن الواجب الغسل فقط، وأن الطهارة الصغرى تدخل في الطهارة الكبرى.

.الحكم السابع: حكم المريض والمسافر إذا وجد الماء:

ظاهر الآية الكريمة يدل على جواز التيمم للمريض مطلقًا، ولكنّه مقيّد بمن يضره الماء كما روي عن ابن عباس وجماعة من التابعين من أن المراد بالمريض المجدور ومن يضره الماء، ولذلك رأى الفقهاء أن المرض أنواع:
الأول: ما يؤدي استعمال الماء فيه إلى التلف في النفس أو العضو، بغلبة الظن أو بإخبار الطبيب المسلم الحاذق، وفي هذه الحالة يجوز التيمم باتفاق.
والثاني: ما يؤدي استعمال الماء إلى زيادة العلة أو بطء المرض، وفي هذه الحالة يجوز التيمم عند المالكية والحنفية وهو أصح قولي الشافعية لحديث الجماعة الذين خرجوا في السفر فأصاب أحدهم حجرٌ في رأسه فشجَّه ثم احتلم فخاف من زيادة العلة إلخ.
الثالث: ما لا يخاف معه تلفًا ولا بطأً ولا زيادة في العلة، وفي هذه الحالة لا يجوز التيمم عند الحنفية والشافعية، لأنه لم يخرج عن كونه قادرًا عن استعمال الماء، فلا يرخص له في التيمم، وعند المالكية يجوز له التيمم لإطلاق النص {وَإِن كُنتُم مرضى}.
الرابع: أن يكون المرض حاصلًا لبعض الأعضاء، فإن كان الأكثر صحيحًا وجب غسل الصحيح ومسح الجريح ولا يجوز التيمم، وإن كان الأكثر جريحًا يجوز التيمم عند الحنفية، ومذهب الشافعية أنه يغسل الصحيح ثم يتيمم مطلقًا، وعند المالكية يجوز له التيمم مطلقًا.
ومن ذلك يتبين أن المريض يرخص له في التيمم ولو كان الماء موجودًا بخلاف المسافر فإن الرخصة له مقيّدة بعدم الماء.

.الحكم الثامن: هل يجب في التيمم مسح اليدين إلى المرفقين؟

تقدم أن المراد بالصعيد هو التراب الطاهر على القول المختار، والتيمم المطلوب شرعًا هو استعمال الصعيد في عضوين مخصوصين بقصد التطهير، والعضوان هما «الوجه» و«اليدان» إلى المرفقين عند الحنفية، وهو أرجح القولين عند الشافعية، وإلى الرسغين عند المالكية والحنابلة.
حجة الحنفية والشافعية أن لا أيدي في قوله تعالى: {فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ} تشمل العضو كله، إلاّ أن التيمم لمّا كان بدلًا عن الوضوء، والبدل لا يخالف الأصل إلا بدليل، وقد وجب الغسل إلى المرافق في الوضوء فيجب أن يكون المسح إلى المرافق في التيمم. واستدلوا بحديث جابر بن عبد الله «التيمم ضربتان ضربة للوجه، وضربة للذراعين إلى المرفقين».
حجة المالكية والحنابلة: أن اليد تطلق على الكف بدليل قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وقطع اليد إنما يكون إلى الرسغ باتفاق، فيجزئ في التيمم ذلك.
قال في «البحر المحيط»: وروي عن أبي حنيفة والشافعي أنه يمسح إلى المرفقين فرضًا واجبًا، وذهب طائفة إلى أنه يبلغ به إلى الرسغين وهو قول أحمد والطبري والشافعي في القديم وروي عن مالك. وروي عن الشعبي أنه يمسح كفيه فقط، وبه قال بعض فقهاء الحديث، وهو الذي ينبغي أن يذهب إليه لصحته في الحديث، ففي «مسلم» من حديث عمار «إنما يكفيك أن تضرب بيدك الأرض ثم تنفخ وتمسح بها وجهك وكفيك» وعنه في هذا الحديث «وضرب بيده الأرض فنفض يديه فمسح وجهه وكفيه» وللبخاري «ثم أدناهما من فيه ثم مسح بهما وجهه وكفيه»، فهذه الأحاديث الصحيحة مبيِّنة ما تطرق إليه الاحتمال في الآية من محل المسح وكيفيته.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
من أهداف الشريعة الغراء العناية بطهارة الإنسان، وتخليصه من الأقذار الحسية والمعنوية في الباطن والظاهر، وإعداده الإعداد الروحي الذي يؤهله للوقوف في حضرة القدس، ويسمو به آفاق مشرقة من الجلال والبهاء والكمال.
وقد شرع الإسلام الوضوء والغسل للمؤمن ليكون مظهرًا دالًا على طهارة الظاهر، كما دعا إلى اجتناب المعاصي والآثام ليكون عنوانًا على طهارة الباطن، فالوضوء والغسل إنما يقصد منهما النظافة وهي «طهارة حسية» تعوّد الإنسان على حياة الطهر في النفس، والخُلُق، والدين، وتجعله يعتاد طريق النظافة في شتى شؤون حياته، وفي بدنه وملبسه ومطعمه، وقد حضّ الإسلام على ذلك لأنه دين الطهارة والنظافة {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وطهارةُ الظاهر جزء من طهارة الباطن.
ولا عجب أن تُعنى الشريعة الغراء بطهارة الإنسان «فالطهور شطر الإيمان» كما قال عليه الصلاة والسلام، وقد بين جل ثناؤه الحكمة من تشريع هذه الأحكام في ختام الآية الكريمة بقوله: {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ولكن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فالطهارة أساس في حياة المسلم، وإذا كان الله تعالى لا يقبل الصلاة إلا بطهارة الظاهر، فكيف يقبل من تلطخ بالقاذورات والنجاسات المعنوية فيدخله دار الإنس في جواره الكريم يوم القيامة؟!
إن الإسلام دين الطهارة وطهارة الظاهر فرع، وطهارة الباطن أصل، وطهارة الظاهر شرط لصحة الصلاة، كما أن طهارة الباطن شرط لدخول الجنة {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88-89] وهما جميعًا سبب لمحبة الله: {إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين} [البقرة: 222]. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

المجلس الثاني في ذكر الطهارة:
الحمد لله محكم المخلوق ومتقن الصنعة ومالك يوم الحشر والجزاء والرجفة المقدر ما شاء فمن ذا الذي يستطيع دفعه أراد فلم ينتفع العبد إن بذل جهده ووسعه وعلم إخلاص النية من مقصود السمعة وسمع فلم يمنع اختلاف اللغات سمعه وأبصر حتى جوف الجوف وجريان الدمعة وشرع فشهدت العقول بصحة الشرعة ومنع فمن ذا الذي يعطي ما قدر منعه صفاته كذاته وما يشبه الصانع صنعه الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة أحمده حمدا يدوم ما دامت الأيام السبعة وأشهد أنه فالق الحب عن الطلعة وأصلي على رسوله محمد المبعوث بأفضل شرعة وعلى أبي بكر أول من جمع هذه الربعة وعلى عمر فتاح الأمصار فكم قلع قلعة وعلى عثمان الصابر على مضيض تلك الصرعة وعلى علي الذي مدائحه أنفق من كل سلعة وعلى عمه العباس أبي الخلفاء وأكرم بهذا البيت رفعة أخبرنا أبو الحسن الأنصاري بسنده عن يحيى أن زيدا حدثه أن أبا سلام حدثه عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها انفرد بإخراجه مسلم.
اعلم أن الطهارة على أربعة أضرب الضرب الأول تطهير البدن عن نجس أو حدث أو فضلة من البدن فأما طهارة الأنجاس ففي الصحيحين من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول قال الخطابي معناه أنهما لم يعذبا في أمر كان بكبير عليهما فعله أو يشق وروى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه وأما طهارة الأحداث ففي التفريط فيها وعيد شديد ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو قال تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا قال فنادى بأعلى صوته مرتين أو ثلاثا ويل للأعقاب من النار وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله عز وجل أمر بعبد من عباده أن يضرب في قبره مائة جلدة فلم يزل يسأل ويسأل حتى صارت جلدة واحدة فامتلأ قبره عليه نارا فلما أفاق قال لم جلدتموني قالوا إنك صليت صلاة بغير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره وقد مدح إسباغ الوضوء.
أخبرنا هبة الله بن محمد بسنده عن جامع بن شداد قال سمعت عمران بن أبان يحدث عن عثمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أتم الوضوء كما أمره الله عز وجل فالصلوات المكتوبات كفارة لما بينهن وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء أو نحو هذا فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب انفرد بإخراج الحديثين مسلم وأما غسل الجنابة فروى أبو داود من حديث علي عليه السلام أنه قال من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار قال عليه السلام فمن ثم عاديت رأسي وكان يجز رأسه وأما الفضلات فنوعان أوساخ تعتري البراجم والأسنان قال مجاهد أبطأ الملك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه فقال لعلي أبطأت قال قد فعلت قال وما لي لا أفعل وأنتم لا تتسوكون ولا تقصون أظفاركم ولا تنقون براجمكم قال ابن الأنباري البراجم الفصوص التي في فصول ظهور الأصابع تبدو إذا جمعت وتغمض إذا بسطت والرواجب ما بين البراجم بين كل برجمتين راجبة أخبرنا عبد الأول بسنده عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة أخرجاه في الصحيحين.